الإخلاف بالوعد رذيلة
ينشغل بعض الناس بالحديث عن أن الوعد حق والبعض الاخر منشغل في التخلي عن
الوعد، هذه صورة كثير من بني آدم . فهم لا يعلمون أن سلوكياتهم تتعارض
مع روح الوعد الحقيقية، وأنهم أزالوا الأقنعة على وجوههم.
مصداقية الإنسان رهينة بإنجاز الوعد وصيانته . والوعد العربية له
دلالات منها الوفاء والميثاق والذمة والضمان والأمان....والوعد التزام من شخص
لآخر بأن ينيله شيئا ويمكنه منه . ويعجبني الرأي القائل بأن الوعد لا يجمع
على وعود لأنه إذا جمع تكرر ، وإذا تكرر تعلق الأمر بالمماطلة والإخلاف ،لهذا
يجدر بالوعد أن يكون مفردا لا يجمع . ومما يقال لمن يخلف الوعد مرات
عبارة : أين هي وعودك ؟، ويعتبر مخلف الوعد وناقضه نفسه ذكيا لو
كان عند ه مثقال ذرة من ذكاء لما رضي زوال مصداقيته . وإذا كان لسان الوفي
بالوعد وناجز الوعد على مقاس ذراعه كما يقول المثل العامي فإن مخلف الوعد
طويل اللسان وقصير الذراع كقصر حبل كذبه ، وهو بذلك ضحكة ـ بضم الضاد
وتسكين الحاء ـ وأضحوكة عند الناس ، وهو فاقد لرجولته بفقدان مصداقيته.
و في هذا السياق المتعلق بالإخلال بالوعد نورد قصة عجيبة، بحيث يحكى أنه ذات
ليلة من ليالي الشتاء الباردة، كان هناك ملك يمتطي حصانه عائداإلى قصره، فلمح
عند الباب عجوزا يمتطي ملابس رثة لا تلائم قساوة الجو، اقترب منه الملك
متفاجئا وسأله ألا تشعر بالبرد، أطلق الحارس تنهيدة عميقة ليخرج ما بداخله من
شكوى و ضعف ثم نطق قائلا بلى يا سيدي أشعر بالبرد ومن لا يشعر به، لكني لا
أملك ما يدفئني وتعودت على ذلك، حزن الملك لهذا الحارس ثم قال حسنا حال ما
أدخل إلى القصر سأرسل لك ثيابا من الصوف تدفئك وتحميك من البرد، فشعر الحارس
بسعادةلا توصف وظل ينتظر بلهفة وعد وعد الملك، و لكن ما إن دخل الملك قصره
حتى نسي وعده، وفي المقابل ظل الحارس ينتظر لساعات وساعات، حتى اختفت
ابتسامته و حماسته، وهطلت دمعة حزن دافئة على خده، فتغلب عليه البرد ووفته
المنية وفارق الحياة. وفي الصباح الباكر خرج الملك كعادته من القصر
وإذا به يصعق بما وجد مات الحارس العجوز متجمدا منى البرد وترك رسالة كتب
فيها التالي:" كنت أتحمل البرد كل ليلة وأنا مدرك تماما أنه ليس بيد
حيلة،تمالكت نفسي وتحملت طوال هذه السنوات، ولكن وعدك لي بملابس دافئة
وانتظارها بشوق سلبني قوتي وأضعفني ".
إن وعودك للآخرين قد تعني لهم أكثر مما تتصور، فلا تخلف وعدا فأنت لا تدري
ماذا تهدم بذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق